قاسم سليماني.. من القبيلة إلى قمرة قيادة مشروع إيران الإقليمي

علي حمدان –
قام آراش عزيزي، الباحث الأكاديمي وطالب الدكتوراه في التاريخ وشؤون الشرق الأوسط في جامعة نيويورك، بنشر كتاب حول حياة قاسم سليماني ولا سيما الحقبة المتصلة بدوره السياسي والعسكري في الشرق الأوسط.
في ما يلي نص المقابلة التي أجرتها معه كارنيغي «ميدل إيست» عشية ذكرى اغتيال قائد فيلق القدس الأولى.
لقد قمت بنشر قصة رجل لعب دوراً إقليمياً وسياسياً محورياً وكان محاطاً بالسرية على الدوام. كيف تمكنت من الإستحصال على معلوماتك؟
كان الأمر صعباً للغاية لا سيما أني باشرت ببحثي قبل تصفية الرجل، ولم أقم بزيارة إيران في سياق البحث خوفاً من إعتقالي، لذلك أجريت أغلب مقابلاتي هاتفياً وإلكترونياً. أردت أن أروي قصة نشاط الجمهورية الإسلامية دولياً من خلال سرد حكاية سليماني.
أشرت في كتابك الى لجوء سلطات ما بعد الثورة الإسلامية الى تعيين أشخاص متحدرين من الأطراف المهمشة في مناصب هامة نظراً لشراسة هؤلاء في الدفاع عن مكتسباتهم الجديدة، وذكرت بأن طهران إستخدمت الأسلوب عينه لإنشاء حزب الله اللبناني.
الثورة كانت حدثاً ضخماً وقد روجت لنفسها من خلال سردية مناصرتها للمهمشين والمستضعفين ومن الطبيعي أن يستنظر هؤلاء نيل المكاسب منها، وإسناد مناصب الى هؤلاء كان تكتيكاً ممنهجاً بالطبع، مع الإشارة الى أن كوادر الثورة الإسلامية كانوا من مدن كبيرة كطهران وأصفهان ومشهد، وأعمال الإنماء التي قامت بها الجمهورية في الأطراف والتي استفاد منها أمثال سليماني المتحدرين من مناطق قبلية، لم تؤدي الى العدالة الإجتماعية والمساواة كما ادعت قيادة الثورة، بل أفضت الى انتعاش أحوال الأطراف والأفراد المرتبطين بالحرس الثوري الإيراني، وولدت تفاوتاً طبقياً جديداً في المجتمع الإيراني.
هل أدى صعود سليماني والحرس الثوري الى تهميش مؤسسات إيران السياسية والعسكرية كوزارة الخارجية والجيش الإيراني؟ وهل سيؤثر غياب خامنئي على هذه الفرضية، في حال حصوله؟
صعود سليماني مؤشر على تفوق الحرس الثوري الإيراني على المؤسسات الإيرانية الرسمية. لقد كان قاسم سليماني أحد أقوى رجالات النظام الإيراني وأكثرهم تأثيراً. أما في حال غياب خامنئي فأتوقع ان تشهد ايران حقبة يكون فيها الحرس الثوري صاحب اليد العليا في إختيار المرشد الأعلى للجمهورية وتحويل النظام الى ما هو أشبه بالديكتاتورية العسكرية، هذا ما أتوقعه، لكن المشهد السياسي في طهران لا يمكن تنبؤه، فالإصلاحيون، ورغم خسارتهم مؤخراً، قد يعودوا ليتصدروا المشهد مستقبلاً مع تولي بايدن إدارة البيت الأبيض وإمكانية بروز شخصيات قيادية في التيار الإصلاحي تتمكن بكاريزمتها تغيير مسار الأمور.
أشرت في كتابك الى صدور قرار تصفية علي عبدالله صالح من قبل سليماني شخصياً. كيف عرفت ذلك؟ والى أي مدى يبلغ إرتباط طهران بالحوثيين في اليمن؟
بالنسبة لقرار إغتيال صالح فقد أسرَّ إلي عضوان في فيلق القدس ومصادر حوثية ذلك. أما فيما يخص مدى إرتباط طهران بالحوثي، فبالرغم من تزايد أعداد الإيرانيين المبتعثين الى اليمن لمساندة أنصار الله وتقديمها الدعم العسكري والتدريب والعمل على أدلجتهم، فإن الدعم الإيراني لهم يبقى مجهرياً بالمقارنة مع دعمها لحزب الله الذي أسسته وأدارته بشكل مباشر لأعوام وهو ما زال على إرتباط وثيق بالحرس الثوري الإيراني حتى الآن.
تطرقت في كتابك الى إقدام سليماني على تغذية سياسيات مذهبية في الإقليم. ما تأثير ذلك على إيران مستقبلاً؟
نعم للأسف. فالمذهبية شكلت عصب الثورة الإسلامية منذ البداية، وإيران تقوم بآستخدام المذهبية متى سنحت الفرصة لذلك، لكنها لا تتوانى عن دعم حركات تنتمي لمذاهب أخرى ما دامت تخدم مشروعها السياسي، فهي تدعم حماس والجهاد الإسلامي ونظام البعث في سوريا، كما دعمت أرمينيا المسيحية في حربها الأخيرة ضد أذربيجان الشيعية . في سياق آخر، لم تعد الورقة المذهبية ورقة رابحة بالنسبة لإيران، مآل الأمور في العراق يشير الى ذلك، وقد يكون الأمر مماثل في لبنان. الدراسات تشير الى أن 80 بالمائة من شيعة العالم يوالون السيد السيستاني الذي يمثل مرجعية فقهية لا تصبو الى العمل السياسي، ولذلك دلالات كثيرة، لكن إيران ستواظب، كما ذكرت، على استخدام الورقة المذهبية متى سنحت لها الفرصة.
ماذا عن إسماعيل قاآني خلف سليماني؟
قاآني كأي شخص جديد عُيّن في منصب، هو ما زال في طور التعلم. حتى العربية لا يتقنها جيداً. قاآني تسلم المنصب في توقيت حساس للغاية أيضاً، فهامش المناورة في العراق ولبنان ضاق كثيراً، وغرق إيران الإقتصادي غير مسبوق، ناهيك عن افتقار الرجل لكاريزما سلفه. أعتقد أن السلطات الإيرانية تدرك ذلك، وأن تعيينه يعكس مرحلة إستراتيجية وتكتيكية جديدة تتسلم فيها أذرع إيران في لبنان والعراق العمل ويتولى فيها قاآني التنسيق فقط، بعدما كان سليماني آمراً ناهياً في الإقليم.