ترامب ينجو من الإدانة.. ويتعهد بعودة قوية
لا يزال يحتفظ بنفوذه السياسي.. والحزب الجمهوري الخاسر الأكبر

ولاء عايش
ذات يوم، قال السيناتور الجمهوري تيد كروز إن «دونالد ترامب أكبر نرجسي على الإطلاق يؤمن بالانتصار دون الاكتراث لأي حقائق أخرى تقول عكس ذلك».
مجلس الشيوخ الأميركي فشل في إدانة ترامب بتهمة تحريض أنصاره على اقتحام الكونغرس، وهذا الفشل كان متوقعاً، جراء عدم تمكن الديموقراطيين من كسب 17 سيناتوراً جمهورياً لتأمين عدد الأصوات الكافية للإدانة.
لكن تبرئة ترامب خرج منها منتصر واحد، هو ترامب نفسه، وانعكس ذلك بشكل واضح في ظهوره أخيراً بتصريحات المنتصر، بعد أن كان مختفياً تماماً عن الأضواء منذ مغادرته البيت الأبيض يوم 20 يناير.
حرص ترامب في تصريحاته بعد جلسة المحاكمة على الحديث عن مستقبله السياسي، عندما قال: «لقد بدأت للتو حركتنا التاريخية الوطنية الجميلة لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى. وفي الشهور المقبلة سيكون لديّ الكثير لأشاركه معكم وأتطلع لمواصلة رحلتنا المذهلة معاً لتحقيق عظمة أميركا لكل الناس. لم يكن هناك أبداً أي شيء مثل حركتنا!».
لكن ما كشف عنه اليوم الأخير من محاكمة ترامب وتبرئته يكشف عن مدى الانقسام الذي يعاني منه الحزب الجمهوري، ويرى البعض أن الحزب قد يكون خاسراً من تبرئة ترامب، فالقاعدة الشعبية للرئيس السابق جعلته الرجل الأقوى في الحزب الجمهوري حتى الساعة، وهو لم يهدر الوقت وإنما اتخذ الحكم الأخير نقطة تأهب، مديناً المحاكمة باعتبارها مرحلة أخرى من أكبر حملة اضطهاد في تاريخ أميركا.
ردود أفعال غاضبة
في المقابل، عكرت تبرئة ترامب في الكونغرس صفو الرئيس جو بايدن، الذي بدا عليه الغضب. وقال: «هذا الفصل المحزن في تاريخنا يذكرنا بأن الديموقراطية هشة، ورغم أن التصويت النهائي لم يؤدِّ إلى إدانة، فإن مضمون التهمة ليس موضع خلاف.. وذلك لن يعفي ترامب من المسؤولية العملية والأخلاقية عن اقتحام الكونغرس».
وكان مجلس الشيوخ برأ ترامب من تهمة التحريض على اقتحام الكابيتول في 6 يناير، في محاكمة لم تستنفد الوقت الكامل المخصص لها بعد التوصّل إلى اتفاق، قضى بعدم استجواب الشهود، لاسيما بعد أن اختصر محامو الدفاع عن ترامب مرافعاتهم بأقل من ثلث الوقت المخصص لهم.
وفي هذا السياق، قالت صحيفة «واشنطن بوست» إن هيئة الدفاع فشلت في الدفاع عن ترامب بعد أن قدم مديرو المحاكمة حججاً تدينه بوضوح، وأنهم كانوا أمام «مهمة صعبة» ولم يستطيعوا سوى محاولة التحايل والإتيان بحجج مبتورة، كان مديرو المحاكمة قد دحضوها سلفاً، خلال مداخلاتهم، مؤكدة أنهم «لم يكن لديهم دفاع عما حدث لأنه لم يكن هناك شيء يُدافَع عنه».
من جانبه، ميتش ماكونيل زعيم الجمهوريين الذي صوت ضد إدانة الرئيس السابق، قال إن هجوم أنصار ترامب على الكابيتول وصمة عار في تاريخ السياسة الأميركية، لقد فعلوا ذلك؛ لأن أقوى رجل على وجه الأرض قد غذَّى أكاذيب جامحة، مضيفاً أن تصرفاته السابقة كانت تقصيراً مشيناً في أداء الواجب، مشيراً إلى أن الرئيس السابق كان «مسؤولاً عملياً وأخلاقياً عن إثارة الأحداث».
أما نانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب، فقد أشارت إلى أن «الجمهوريين الذين صوَّتوا بعدم الإدانة تخلوا عن الدستور والبلاد والشعب»، مؤكدةً أن العدالة لم تتحقق. وقالت: «ما رأيناه في مجلس الشيوخ كان مجموعة جبانة من الجمهوريين الذين ليس لديهم على ما يبدو خيارات، لأنهم كانوا يخشون الدفاع عن وظيفتهم، والمؤسسة التي يخدمون فيها»، واصفة تصريح ماكونيل الأخير بأنه «مخادع».
تبعات البراءة
على الضفة المحايدة، فإن تبرئة ترامب في الشيوخ لا تعني نهاية القصة، بل بداية فصل جديد منها.
صحيفة «فايننشال تايمز» اعتبرت ان «التبرئة معيبة»، لافتة إلى أنه في بلد منقسم مثل الولايات المتحدة، فإن أغلبية 57 مقابل 43 لأي اقتراح أمر رائع. وعندما يتعلق الأمر بإدانة رئيس سابق بتهمة التحريض على العصيان، فهو أمر تاريخي.
لكن الصحيفة رأت أن مساءلة ترامب أوضحت الحد الفاصل بين الجناح الذي يؤمن بالمبادئ في الحزب الجمهوري وباقي الحزب، فقد صوت سبعة من الجمهوريين – بن ساسي، وليزا موركوفسكي، وميت رومني، وريتشارد بور، وبيل كاسيدي، وباتريك تومي، وسوزان كولينز – لمصلحة إدانة ترامب.
ووفق «فايننشال تايمز»، فإن للمحاكمة تداعيات على ترامب نفسه، حتى لو لم ينتج عن المساءلة منع تولي المنصب مرة أخرى. فمن خلال أدلة الفيديو أصبح من الواضح أكثر مما كان عليه قبل شهر مدى فداحة اقتحام الكونغرس، وعملية المساءلة أعانت على استرجاع بعض الثقة والسمعة الحسنة في الحزب الجمهوري، والآن يقع على عاتق الجمهوريين العقلاء أن يتأكدوا من أن النتيجة بداية لشيء ما، وليست صورة خاطفة في الانحطاط المستمر لليمين الأميركي، فيجب على الحزب ألا يرفض ترامب فحسب، بل يرفض جنون العظمة والتطرف.
المستقبل السياسي
ترامب سيعتزم في الفترة المقبلة السيطرة على المشهد، حتى لو لم يرشح نفسه للبيت الأبيض مرة أخرى، فهو قد استخدم محاكمته منصة لعودة قوية إلى المسرح السياسي رغم أنه لم يخرج من هذه المعركة سالماً تماماً؛ فصور مؤيديه وهم يقتحمون الكابيتول ستظل لاصقة في أذهان الناخبين المستقلين، وستتوقف الكثير من الأمور مستقبلاً، فبالنسبة للموالين لترامب في الحزب الجمهوري، فإن حكم البراءة يقدم إثباتاً من نوع ما لعلاقة جديدة بالرئيس السابق.
وبالنسبة لخصوم ترامب الجمهوري، فإن ذلك يمثل علامة مقلقة أخرى على أن الحزب يميل أكثر في اتجاه خطير مع رغبة بسيطة في إعادة التواصل مع المعتدلين والنساء والناخبين الجامعيين الذين ينفرون من ترامب.
في نهاية المطاف، أدى قرار مجلس الشيوخ إلى تخفيف الانقسام في الحزب الجمهوري الذي سيكون على قادته اجتيازه، بينما يحاولون استعادة السيطرة على الكونغرس العام المقبل ويسعون إلى رئاسية 2024.
ويسجل التاريخ أن 10 أعضاء من حزب الرئيس في مجلس النواب و7 آخرين في مجلس الشيوخ اعتقدوا في نهاية المطاف أن سلوك ترامب كان فظيعاً بما يكفي لتبرير الإدانة، وحتى حرمانه مدى الحياة من تولي منصب في المستقبل. فلم يسبق أن صوّت هذا العدد الكبير من أعضاء حزب الرئيس لمصلحة عزله. ولكن من خلال معظم المقاييس الموضوعية، فإن قبضة ترامب على الحزب الجمهوري ومستقبله لا تزال مُحكمة. وذكرت مؤسسة«غالوب»، أن نسبة الجمهوريين المؤيدين لترامب بلغت %82.
بدوره، اعتبر موقع «بوليتيكو» أن «المستقبل السياسي لترامب لا يزال مجهولاً، رغم تبرئته، التي اعتبر أنها ستلقي بالضبابية على كل جوانب مستقبله السياسي، بدءاً من القضايا التي سيتبناها، إلى مستوى نفوذه داخل الحزب الجمهوري، وإلى احتمال أن يواجه تهماً جنائية، أو يشهد تضاؤلاً في تأييد ناخبين».
وتابع الموقع أن ترامب الذي تعهد بمساعدة الحزب الجمهوري للسيطرة مجدداً على الكونغرس يريد أيضاً الانتقام من 10 نواب جمهوريين صوّتوا لعزله.