تحليلات

العالم أمام فرص نهوض ثلاث في 2021

– علي حمدان

عام ثقيل دراماتيكي غادرنا للتو. عام أطل مع إحتمال نشوب حرب إقليمية إثر إقدام الولايات المتحدة الأميركية على إغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ملحوقاً بجائحة كورونا المستمرة والتي أزهقت أرواح أكثر من مليوني شخص حتى الآن، كما كانت ال2020 عام تصدع الإتحاد الأوروبي مع خروج بريطانيا وشبه إضمحلال النقاط المشتركة بين دوله الأعضاء، بالإضافة الى صعود الصين والصراع الخفي بين قطبي العالم الجديدين في ظل ظروف مصيرية استدعت تعاوناً غير مسبوق بين الدول، بحسب أفاري إنترنازيونالي الإيطالية.

في المقابل نستقبل العام 2021 بتحديات جلية وفرص ومخاطر جمّى في آن. الإتحاد الأوروبي لم ينجح في كبح جماح الجائحة ولملمة آثارها السلبية بعد. ففي الأسابيع الأولى من تفشي الفيروس في عواصم القارة الأوروبية كان صمت المؤسسات والحكومات مدوياً، كما أظهرت قرارات إقفال الحدود العشوائية ما بين دول الإتحاد وعمليات مصادرة ومنع تصدير المستلزمات الطبية تفوق الحس القومي الوطني المحلي على الأوروبي، مما استدعى تحركاً سريعاً من قادة اوروبيين في مقدمتهم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل التي صادقت في لوليو وفي ديسمبر من العام المنصرم على خطة إنقاذية أوروبية شاملة إنطلقت بميزانية بلغت 750 مليار يورو لتصل الى ال1800 ملياراً.

مع إقرار الميزانية الأوروبية والمصادقة على إتفاقية التعاون التجاري بين الإتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة بعيد بريكسيت الذي دام خمسة أعوام تقف أوروبا على مشارف مستقبل واعد لا يخلو من التحديات.

على صعيد آخر، بدأت لتوها مرحلة توزيع اللقاحات المضادة لفيروس كورونا في أوروبا والعالم أجمع، وسط عقبات قومية، حكومات غير متمكنة وشكوك على المستوى الطبي.

جيل أوروبا القادم يمثل عقبة أخرى يجدر بالقارة التعامل معها، فالتباينات لم تعد تقتصر على أمور تتعلق بإقرار ميزانيات الإتحاد، بل على صعوبة التخطيط والتحقق من إنفاق ما يتم رصده من أموال على إقتصاد وإنماء أخضرين، صديقين للبيئة، ورقميين في كافة أنحاء الإتحاد.

صراع القوى العظمى طبع العام 2020 كذلك، فبعد أعوام على تسيد الولايات المتحدة الأميركية للعالم برزت تحديات صعود دول جديدة وما قد ينجم عن ذلك من تداعيات على شتى الصعد. ماذا سيكون تأثير مقارعة الصين لأميركا على العالم وعلى قرار منظمات كمجلس الأمن الدولي، ومنظمة التجارة العالمية ومنظمة الصحة العالمية ومؤسسات مراقبة التخصيب والتسلح النووي؟ وكم ستبلغ فاتورة النظام العالمي الجديد؟ ومن سيقوم بتسديدها؟  هذه الأسئلة وغيرها وليدة ال2020. فبروز القوى الصاعدة والتعديلية الجديدة والصراع المحتدم ثقافياً وسياسياً وعسكرياً وإقتصادياً الناجم عنه أتى في فترة أزمات عابرة للحدود كجائحة كورونا، التغيرات المناخية، الرقمنة والطفرة النووية، وهي أزمات تهدد الكوكب برمته وتستلزم تعاوناً بين كل الدول والقوى الفاعلة لا تباينات ونزاعات حول مسائل كالجيل الخامس والسيطرة على بحر الصين والأسواق التجارية والحريات السياسية وحقوق الإنسان في تايوان وهونغ كونغ وغيرها من الموضوعات التي تستبطن صراعاً أكبر بين الرأسمالية والديمقراطية من جهة والرأسمالية الدكتاتورية أو السلطوية من جهة أخرى.

الإجابة على أسئلة ال2020 ليست بالأمر السهل، فالحريات السياسية والليبرالية ليست مصحوبة دائماً بالإزدهار الإقتصادي، والنموذج الصيني خير دليل على عدم دقة الطرح القائل بأن الحريات هي طريق الرفاه الأوحد، كما لا يمكننا التأكيد على أن الليبراليات والديمقراطيات تشكل النموذج الأنجع في مكافحة الأوبئة، فالصين حيث الأحادية الحزبية تمكنت من الإنتصار على كوفيد وكذك نيوزلندا وكوريا الجنوبية وتايوان وغيرها من الدول التعددية، وفي الوقت الذي لم تبرز فيه أوروبا ووواشنطن كنماذج لامعة في العام 2020 علىهذا الصعيد، لكنها في الوقت عينه لم تجنح الى النموذج القمعي السائد في دول كتركيا أو روسيا.

الأسئلة والتحديات التي خلفتها ال2020 كثيرة، وكذلك الفرص بدءاً بإعادة إطلاق مشروع النهوض بأوروبا متضامنة، ومتعاونة إقتصادياً، ريادية رقمياً وصديقة للبيئة، مروراً بفرصة تهذيب التعددية القطبية خلال ولاية الرئيس الأميركس المنتخب ومبادرته الى ترسيخ مبادئ الحوكمة العالمية المتعاونة، وختاماً بالسماع الى الحركات الحقوقية المتسعة رقعةً عالمياً والمطالبة بالمساواة والعدالة ونبذ العنصرية والإستثمار فيها للعبور نحو مجتمعات أكثر إنفتاحاً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى