القطاع الصحي في لبنان بين فكي «كورونا» والانهيار الاقتصادي

علي حمدان –
أنهى لبنان العام 2020 بعدد إصابات بفيروس «كورونا» لامس 4000 حالة، وحالات وفاة جراء الإصابة بالفيروس فاقت 400 في ديسمبر، بالإضافة الى أزمة وجودية يتساءل اللبنانيون في خضمها عن سبل خروج البلاد من أزمتها الإقتصادية، حكومتها الفاشلة، وتموضع بيروت جيو-سياسياً، وهي مسائل ترخي بظلالها على كافة القطاعات لا سيما القطاع الصحي، من كليات الطب والمستشفيات ومراكز الرعاية الصحية.
التحليلات حول تأثير الانهيار الاقتصادي على القطاع الصحي كثيرة، والتوصيات بضرورة إعادة النظر برفع الدعم عن الأدوية والخدمات الصحية والتوجه نحو رفع أسعارها تصدرتا عناوين الصحف مؤخراً، لكن أزمة القطاع الصحي في البلاد تكتنف مخاطر أعمق يجدر بنا تشريحها، بحسب مقالة أفردتها «الدايلي ستار».
رفع الدعم
خطة رفع الدعم عن الأدوية والتي تم تسريبها مؤخراً تقسم العقاقير إلى ثلاثة فئات: أدوية لا تستدعي وصفة طبية، أدوية للعناية بالوعكات الصحية الشديدة، وأدوية العلاج من الأمراض المزمنة والسرطان، وهي تنص على رفع الدعم الكلي عن الفئة الأولى، رفعه جزئياً عن الفئة الثانية، والإبقاء عليه كما هو على أدوية الأمراض المستعصية.
استراتيجية الحكومة اللبنانية المسربة لرفع الدعم عن الأدوية لا تمت للإصلاح بصلة، بحسب الصحيفة، فهي لم تقم برفع الدعم عن عقاقير معينة بناء على كلفة استيرادها المرتفعة بل تبعاً للفئة التي تنتمي إليها، وبالرغم من نجاحها في الحد من إستنزاف أموال المودعين إلى حد ما جراء رفع الدعم المرتقب، لكنها لم تحم المواطن، بل قامت بحماية مصالح شركات استيراد الدواء.
المفارقة تكمن في أن خطة الحكومة الحريصة على مصالح قطاع استيراد الأدوية جاءت تحت عنوانين: دعم قطاع صناعة الدواء المحلي، وحماية نموذج لبنان الاقتصادي الحر، مما يستدعي التساؤل عن معدل الانفاق على قطاع صناعة الأدوية محلياً بالمقارنة مع معدل الإنفاق على الأدوية المستوردة، وعن ماهية الإقتصاد الحر الذي تحرص الدولة اللبنانية على تماسكه في ظل رفع الدعم المرتقب.
وفي السياق عينه، يتأثر المرضى، الكوادر الطبية والتمريضية، المستشفيات وكافة المؤسسات التابعة للقطاع الصحي وسائر القطاعات بإجراءات حكومية ضبابية ومتناقضة مماثلة، وفي معرض الحديث عن الضبابية لا بد من الإشارة إلى أن حاكم المصرف المركزي أعلن مؤخراً عن توفر ملياري دولار في خزينته يمكن إستخدامها على مدى شهرين مقبلين في دعم الدواء والغذاء، فيما قام رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب بالتشكيك بالمبلغ الذي أعلن عنه حاكم المركزي ملمحاً الى إمكانية صمود الدعم على المواد الأساسية لحوالي ستة أشهر لا شهرين.
تطبيق اللامركزية
من المنظور السياسي تبدو الأمور واعدة في ظل تصاعد الكلام في أروقة السلطة والإعلام عن نجاعة تطبيق اللامركزية الإدارية والفدرلة، وقد أظهرت التجربة الكوفيدية على مدى الأشهر الأخيرة نجاح اللا-مركزية الإدارية في تسيير أمور البلاد لا سيما من خلال قرارات الإغلاق العام والعزل الجزئية والتي هدفت الى تقليص نسبة التفشي في المناطق الموبوءة، تأسيس السلطة الصحية للجان إدارة أزمات محلية تعمل على إجراء دراسات إحصائية حول منحى التفشي، مراقبة المصابين، وإجراء الفحوصات والمسحات بالتعاون مع البلديات والتنسيق مع الوزارة وسائر المحافظات في ما يخص الحالات الحرجة والعمل على تأمين أسرة في أقسام العناية المركزة بشكل سريع.
وفاة أطباء
على صعيد آخر أدت وفاة أحد الأطباء في مدينة بعلبك وآخر في مدينة صور وغيرهم إثر إصابتهم بفيروس كورونا الى إثارة التساؤلات حول حقوق الأطباء في لبنان ومعايير الحماية المتبعة في المستشفيات اللبنانية، وفي هذا الصدد يشير الدكتور حسين إسماعيل، الطبيب المحاضر في الجامعة الأميركية في بيروت الى حساسية القطاع الصحي في أي بلد ومدى تأثيره على المواطنين بشكل مباشر، متمنياً من العاملين صياغة السياسات الصحية في لبنان الى الإستفادة من الخبرات الوفيرة في هذا المجال من حول العالم لضمان مستقبل صحي فاعل.
تراجع الزوار
التموضع الجيوسياسي للبنان يؤثر على قطاعه الصحي كذلك حيث كشفت دراسة مؤخراً عن أن معظم القادمين من الخارج للعلاج هم عراقيو الجنسية، بالتزامن مع تراجع ملحوظ في أعداد الوافدين الى بيروت لدواعٍ طبية من دول مجلس التعاون الخليجي لأسباب عدة أبرزها الأوضاع الأمنية، تأسيس تلك الدول لقطاعات صحية تقدم خدمات طبية عالية المستوى بالإضافة الى بروز طبقة من الأطباء المواطنين من ذوي الكفاءة العالية.
نزف القطاع الصحي يطال صعد عدة أحدها الهجرة، في هذا السياق تستقطب دول مجلس التعاون الخليجي أعداداً متزايدة من الأطباء والممرضين اللبنانيين في الآونة الأخيرة إبان الأزمة الإقتصادية في بيروت وانسداد الآفاق أمام هؤلاء في بلدهم، كما قام الرئيس الأميركي المنتخب بتعيين طبيب لبناني في منصب المنسق الأول لتوزيع اللقاحات في الولايات المتحدة الأميركية في الوقت الذي يتم فيه حرمان الطلاب اللبنانيين الراغبين بالإلتحاق بكليات طب أميركية من الخضوع لامتحانات الدخول الى هذه الجامعات بموجب قرار صادر عن هيئة كليات الطب في أميركا مؤخراً.
في الختام، قام يانيس فاروفاكيس في مقالة تتعلق بالجائحة نشرها مؤخراً بالإشارة الى أن التقدم العلمي والبحثي وجودة الرعاية الصحية في أي بلد ترتبطان مباشرة بالدعم والتخطيط الحكومي، والإقفال العام لآحتواء الفيروس وإبتكار اللقاحات وتجريبها والمباشرة بتصنيعها في غضون أشهر تشكل أدلة دامغة على طرح فاروفاكيس. للمرة الأولى يجد اللبنانيون أنفسهم، فقراء وأثرياء، تحت رحمة رخويّة الوعي الذي تتمتع به سلطتهم الصحية. «لأن الأمورعلى هذا الحال، فالأمور لن تبقى على هذا الحال»، يقول بيرتول بريخت. تنطبق مقولة بريخت على لبنان. فالتغيير حتمي وآت مهما حاول الحكام تأجيل ذلك، وما يشهده القطاع الصحي راهناً يعكس ذلك.