تحليلات

كيف ساعد «الربيع العربي».. إسرائيل على تحقيق أهدافها؟

جان ماري توما-

لم يتوقّع الشعب العربي الذي ملأ الساحات في مختلف البلدان العربيّة ونادى بالديمقراطيّة، أن يكتشف بعد سنوات أنّ ما سعى لأجله لكي يتحرّر، لم يكن إلّا بشرة خير لإسرائيل. أفضل طريقة لشرح أو وصف تأثير الربيع العربي على الكيان الصهيوني، هي العبارة التالية: «العواقب غير المقصودة».

بعد عشر سنوات من الاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية التي اجتاحت العالم العربي، يتّفق المحلّلون الإسرائيليون على أن ديسمبر 2020 هو النتيجة غير المتوقّعة لأحداث ديسمبر 2010.
قد يختلف المحلّلون حول العالم، في تفسير التطورات الأخيرة وتقييم تأثيرها المستقبلي، لكن جميعهم ينظرون إلى بداية العقد كنقطة انطلاق لعملية، أدت  إلى كتابة قائمة متزايدة من الدول العربية، التي تسير على خطى تطبيع العلاقات مع إسرائيل.

كان رد الفعل الإسرائيلي-السياسي على هذه الانتفاضات التاريخية مرتبكًا منذ البداية. وانقسم الرأي العام بين من اعتقد أن وضع إسرائيل ساء في مواجهة التطوّرات ومن رأى الربيع العربي تغيرًا إيجابيًا للكيان.

تحرّك إسرائيل خلال الربيع العربي
للسلطات الإسرائيليّة، مصطلح خاص يصف هذه التحرّكات. مصطلح صاغته المخابرات العسكرية الإسرائيلية رسميًا، «Taltala»، وهي كلمة عبرية تعني «هزّة». كما أنّ «الطاعون المصري» كان أحد المصطلحات العديدة التي تعكس الارتباك والسخرية العميقين، وفق ما ورد في موقع «Middle east  eye» .
إذا كان الخطاب الإسرائيلي في وقتها يعكس الحيرة العامة، فإن التصريحات المتناقضة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، كانت انعكاسات لسياسة مشوّشة.
«الشرق الأوسط ليس مكانًا للسذاجة»، صرّح نتنياهو بذلك في خطاب ألقاه في البرلمان الإسرائيلي في 23 نوفمبر 2011، مشيرًا بسخرية إلى أولئك الذين رأوا شيئًا إيجابيًا في الأحداث الجارية.
في الوقت نفسه، على الساحة الدولية، تبنى نهجًا أكثر تساهلاً، حيث أدلى بتصريحات مثل: «إسرائيل ديمقراطية تشجع على تعزيز القيم الحرة والديمقراطية في الشرق الأوسط، وتعزيز مثل هذه القيم سيفيد السلام».

في ورقة بحثية نُشرت في يناير 2013 من قبل المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية، كشف المحلّل ليور ليرز ما يلي: «شرحت مصادر حكومية في القدس، انّ نتنياهو شعر أنه مضطر لتضييق الفجوة بينه وبين المجتمع الدولي». وكتب لير: «أدرك رئيس الوزراء، بصفته زعيم الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، أنه لا يستطيع تجاهل الانتقادات الدولية للرئيس المصري حسني مبارك، وبالتالي تناول هذه المرة قضيّة تعزيز الديمقراطية في المنطقة».
في السنوات التي أعقبت هذا البيان، تصادق زعيم كيان يصف نفسه ويفتخر بأنه «الديمقراطي الوحيد في الشرق الأوسط»، مع سلسلة طويلة من الأنظمة التي «لا تشبه» ما يدّعي به.

من الربيع إلى التطبيع
كان «الارتباط» بين الربيع العربي وتطبيع العلاقات بين إسرائيل و الإمارات، البحرين، السودان والمغرب وربما المزيد من البلدان في المستقبل، أحد المواضيع الرئيسية في مؤتمر مخصّص عقده BESA»» اليمينيّ- مركز للدراسات الاستراتيجية.

قال الصحافي والمحلّل السياسي الإسرائيلي، إيهود يعاري، لموقع «Middle east  eye»: «الربيع العربي هو شهادة وفاة القوميّة العربية كما عرفناها في بلاد الشام، وصعود المزيد من الأنظمة الشبيهة بالديكتاتورية… لقد دفع الربيع العربي إلى انهيار عواصم مركزية مثل القاهرة ودمشق، وحفّز الدول العربية المجاورة إلى إعادة ترتيب الساحة. انتقلت العاصمة العربيّة الأبرز إلى الإمارات، وهي عاصمة أكثر حداثة، رغم حجمها المتواضع. هذا البعد التاريخي لا يجب أن يتغير في المستقبل المنظور».

أخبر يعاري موقع «Middle East Eye» في وقت لاحق، أنه بينما تتنافس إيران وتركيا بعضهما مع البعض على الهيمنة في دول المشرق العربي، توصّلت الدول المحيطية إلى استنتاج مفاده أن الرد على تهديدهما المتزايد هو إقامة شراكة جديدة تدعمها الولايات المتحدة.
وتابع يعاري «الربيع العربي كان صرخة العاجزين، اليائسين والعاطلين عن العمل وليس وسيلة لتغيير النظام». وبحسب السيناريو الخاص به، تصبح إسرائيل جزءًا لا يتجزأ من المنطقة من خلال الانضمام إلى التحالفات الإقليمية.

من جهّته، يعتقد، أستاذ العلوم السياسية ومستشار فرق التفاوض الإسرائيلية في عامي 2000 و2003، مناحم كلاين، أن جميع اتفاقيات التطبيع تأتي نتيجة الربيع العربي و «حلّ» جامعة الدول العربية.

ذات مرة، اتحدت جامعة الدول العربية ضد إسرائيل. عندما بدأت الحكومات في مهاجمة شعوبها في عام 2011، بدأت تلك الدول في الانقلاب على بعضها البعض.
وشرح لموقع Middle East Eye:«اندمجت إسرائيل في النسيج العربي ليس فقط من خلال اتفاقيات التطبيع هذه، ولكن كلاعب نشط في متاهة معقّدة من المصالح المتناقضة لدول الشرق الأوسط». كما يعتقد كلاين، «أنّ إسرائيل تتحرّك في طريق تصاعدي، عبر قبولها كحقيقة من قبل العالم العربي، حتى لو كانت ظروف إنشائها لا تزال غير شرعية في نظر الكثيرين». أمّا الجانب السلبي بالنسبة لكلاين، أنّ لا يزال كثيرون في العالم العربي، ينظر إلى إسرائيل على أنها الذراع الطويلة للولايات المتحدة، والتي يمكن استخدامها للحماية والأسلحة، فضلًا عن خط أنابيب إلى واشنطن.

السياسة الداخليّة في فلسطين المحتلّة
على الرغم من أن المحلّلين أعلاه، يتفقان على أن الربيع العربي وصفقات التطبيع قد أثّرت على القضية الفلسطينية، إلا أنهما لم يتوصلا إلى النتيجة نفسها.

يعتقد يعاري أن التطبيع الذي نشأ عن الربيع العربي سيفرض مزيدًا من ضبط النفس على أي حكومة إسرائيلية، حتى لو كانت من اليمين المتطرّف. لا مزيد من الضم، لا مزيد من خطط البناء الإسرائيلية المثيرة للجدل. قال يعاري: «إسرائيل لديها الكثير لتخسره… من ناحية أخرى، أدرك الفلسطينيون أنه ليس لديهم من يتكئون عليه، وعليهم تغيير الاتجاه».

في المقابل، كلاين لا يتّفق مع هذا الاستنتاج ولا مع هذا السيناريو. برأيه، أخطر تداعيات العقد الذي غيّر الشرق الأوسط، حسب قوله، هي القضية الفلسطينية.
وقال كلاين: «منذ أن توقّفت القومية الفلسطينية عن أن تكون قضية عربية بالكامل، وبعد أن تم التخلي عن الفلسطينيين من قبل الدول العربية، وفي ظلّ الخضوع للضمّ، أصبحت القضية داخلية إسرائيلية… إنها الآن مسألة سياسة داخلية أكثر منها سياسة خارجية. هذا الالتواء يجعل الموقف أكثر حدة. أي انفجار في الأراضي المحتلة يمكن أن يؤدي بسهولة الآن إلى الفوضى».

كما يعرف كلاين بوجود خطة عسكرية إسرائيلية للتعامل مع مثل هذا الانفجار. وفقًا لهذه الخطة التي تمت صياغتها بعناية على مدى بضع سنوات، ستتولى إسرائيل السيطرة على الضفة الغربية وتقسمها إلى أجزاء مثل «نابلس الكبرى» و «جنين الكبرى» وما إلى ذلك.
ستكون كل منطقة مقسّمة تحت سيطرة الحاكم العسكري. الأمر أكثر من مجرد السيطرة على أعمال الشغب: هذه خطة لتفكيك السلطة الفلسطينية – وبالتالي تحطيم الكيان السياسي الفلسطيني الجنسيّة.
وعلى عكس اليعاري، يعتقد كلاين أن «الهزة» التي بدأت قبل عشر سنوات على وشك أن تصل إليهم.

أخيرًا، الإنقسام الحاد داخل رحم الدول العربيّة هو من حوّل الربيع العربي إلى شتاء. فالمآسي التي لحقت بالتظاهرات والتحرّكات الشعبيّة والتي لا نزال حتّى يومنا هذا نعيشها، كانت بشرة خير لكل من يريد أن ينهش اللحم العربي، وهنا نتكلّم عن عدّة محاور. المستقبل رهن التطوّرات السياسيّة مع وصول بايدن، والتفاعل مع الاتفاقيات الإبراهيميّة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى