تحليلات

ثورة الفلاحين في الهند.. هل تسقط رئيس الوزراء؟

علي حمدان –

تجمع مزارعو العاصمة الهندية نيو دلهي، والذين يقاربون مليوني شخص على مداخل المدينة في الأيام الأخيرة، احتجاجاً على قرارات حكومية يرونها مجحفة بحقهم، بحسب صحيفة «إنترنازيونالي» الإيطالية.

نساء ورجال وأطفال، مسنون ويافعون توافدوا الى شوارع عاصمتهم متحدّين شتاء بلادهم القارص وفيروس كورونا المتفشي بنسب مرتفعة هناك.

المزارعون الذين سكنوا الساحات وأحضروا مؤن وأغذية تكفي لأشهر من الإحتجاجات دفعوا بالملايين من قاطني الضواحي، لا سيما هاريانا ذات الأكثرية البنجابية، الى التوجه نحو نيو دلهي بآلياتهم الزراعية من أجل المشاركة بالتظاهرات التي تزايدت أعدادها مع انضمام مجموعات من محافظات أخرى بعد قيام أكثر من خمسمائة منظمة زراعية بمناشدة العمال الى ترك حقولهم والإلتحاق بالحشود الغاضبة، كما دعت للإضراب العام في البلاد بالتزامن مع إعلان سائر النقابات العمالية والمعارضة الهندية دعمها لحراك الفلاحين في البلاد.

شرارة الفوضى

الشرارة الأولى لآشتعال الشارع الهندي، كانت مصادقة الحكومة على ثلاثة قوانين زراعية جديدة في خضم تفشي فيروس كورونا دون الوقوف على رأي المزارعين والمجالس المحلية المسؤولة عن القطاع الزراعي بشكل مباشر.

للوهلة الأولى تبدو القوانين الجديدة داعمة للمزارع الهندي، بحسب الصحيفة المذكورة، فهي تنص على تخفيف القيود على عمليات شراء وبيع المنتجات الزراعية وإعفاء أصحاب المخازن من شروط كثيرة لا فائدة لها، كما تشير القوانين المذكورة الى ضرورة إعتماد نظام العمل بموجب عقود بين أصحاب العمل والعمال مما يكفل حقوق الطرفين.

تدعي الحكومة سعيها لتأمين بيئة حاضنة للمزارعين والتجار عبر اعتماد هذه القوانين والتي من شأنها توسيع مروحة الخيارات أمامهم بعد فتح الأسواق وإسقاط الكثير من العوائق والقيود.

ينظر المزارعون الى القوانين الصادرة إياها بآرتياب، فهم يخشون أن يؤدي تحديث القطاع الزراعي من خلال هذه القوانين وما قد يتبعها الى الإطاحة بهم وسيطرة أباطرة السياسة ورجال الأعمال على حقولهم، فالأمور حالياً ورغم صعوبتها ما زالت تصب في مصلحة الفلاح ولكن التشريعات الزراعية المغلفة بالحداثة تعبد الطريق أمام كارتيلات التجار السيطرة على القطاع.

من ناحية ثانية، يرى معنيون بالقطاع الزراعي أن رفع القيود عن حركة بيع وشراء المنتجات الزراعية وقوننة العمل بموجب عقود رسمية سوف تعود بالضرر على المزارع بشكل عام وأصحاب المزارع الصغيرة بشكل خاص.

 

أصوات الفلاحين

المزارعون أوصلوا رئيس الوزراء ناريندرا مودي إلى كرسي الحكم بعيد وعوده العرقوبية بمضاعفة أرباحهم.

لقد كان تمرير القوانين الزراعية الأخيرة بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للمزارعين الذين تظاهروا مراراً خلال السنوات الأخيرة من أجل تحسين أوضاعهم، ولكن دون جدوى، وبالرغم من أن أرباح هؤلاء كانت قد تقلصت قبل ترؤس ناريندرا مودي للسلطة التنفيذية في البلاد عام 2014، والذي تمكن من ذلك بفضل أصوات الفلاحين تحديداً الذين تأملوا به خيراً جراء وعوده المتكررة بالعمل على مضاعفة أرباحهم خلال أربعة أعوام، إلا أنهم سرعان ما أصيبوا بالخيبة، فمودي لم يفي بوعوده لهم

بل على العكس، فقد تعرض هؤلاء الى المزيد من الخسائر منذ استلامه لحكومة نيو دلهي مما ولد في نفوس الكثيرين منهم شعوراً عميقاً بالغبن.

لقد أدى تزايد تدني الطلب على الخضروات والفواكه والحنطة، في السنوات الأخيرة الى هبوط الأسعار، ويرى المزارعون أن مرد ذلك يعود الى الهندسات السياسية والإقتصادية المدمرة التي انتهجها مودي والتي أفضت الى إنهيار ما تبقى من قطاع زراعي في الهند، وفرض الضرائب على السلع والخدمات عام 2016 كانت الخطوة الأولى في الطريق الخطأ، ناهيك عن خطة تنفيذها الغير مدروسة في الوقت عينه.

في موازاة ذلك، لم تعتمد الحكومة على سياسات مالية واقتصادية واضحة وناجعة مما أدى الى انهيار القدرة الشرائية للمواطن الهندي وبالتالي تراجع الطلب على السلع وتضاؤل الأرباح في القطاع الزراعي.

بالتزامن مع كل هذا ساهم تفشي فيروس كورونا في الإتيان على الحد الأدنى من مقومات الإستمرار بالزراعة في البلاد، حسبما ورد في تقرير إنا نازيونالي.

جرس الإنذار

يرى فلاحو الهند أن القوانين التي تم تمريرها من قبل حكومتهم تدق جرس الإنذار الأخير قبل نعي أحد أهم القطاعات المنتجة في الهند: الزراعة. وعوضاً عن حماية المزارع تعمد الحكومة على تركه في مهب الريح بين فوضى الأسواق وفوضى التشريع. فتنص أحد بنود القوانين المصادق عليها مؤخراً على إلغاء دور الوسيط الذي يقوم بالتشبيك ما بين المزارع والتجار أو الشركات التي ترغب بشراء المحاصيل والذي غالباً ما يتلقى نسبة معينة من الأرباح مقابل تسويقه للإنتاج. إلغاء القوانين الجديدة لدور الوسيط أغضب المزارعين الذين يفضلون التعامل معه على التعامل المباشر مع العميل، فالتعامل مع الأخير يمثل صعوبة بالغة بالنسبة إليهم.

لا تشكل هذه القوانين العقبة الوحيدة أمام فلاحي الهند، فبالإضافة الى عبء التشريعات الملتوية يعاني المزارع الهندي من تبعات التغيرات المناخية، وتردي جودة التربة نتيجة الإستخدام المفرط للأسمدة الكيماوية وتلوث مياه الري وندرتها وغيرها.

حتى الساعة، تقوم الحكومة بمعاملة المحتجين من المزارعين بنفس الأسلوب الذي اتبعته مع تظاهرات مطلبية سابقة وقطاعات أخرى؛ في البداية قامت بتجاهلهم، ثم لجأت الى إتهامهم بالمتآمرين المندسين من قبل الأحزاب المعارضة، بالإضافة الى وصفها لهم بالغير وطنيين والإرهابيين متذرعة بذلك لآستخدامها العنف المفرط من أجل تفريق التظاهرات، ناهيك عن قطع شبكة الإتصالات والإنترنت عن مناطق واسعة للحؤول دون تواصل هؤلاء وتنسيقهم لمزيد من الوقفات المطلبية.

يرفض رئيس حكومة الهند العودة عن القوانين الجديدة حتى الآن، في الوقت الذي يبدو الشارع هادئاً الى حد ما نظراً لشتاء نيو دلهي القارص والذي أودى بحياة عدد من المتظاهرين، بالإضافة الى كورونا المستشري في الهند بكثافة، لكن قرارات ومواقف مودي المتكبرة تبقى مثار غضب وسخط 70 بالمائة من سكان الهند الذين يعتمدون على حقولهم لكسب قوت يومهم والذين يصرون على نيل الحد الأدنى من حقوقهم مما يبعث بإشارات مقلقة حول مستقبل استقرار الأوضاع في الهند.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى