تقارير

لبنان.. مسار تاريخي من الاغتيالات

104عملية قتل و90 محاولة.. طالت سياسيين وكتّاب ورجال دين

إعداد أنديرا مطر-

 

اعاد اغتيال المفكر والباحث اللبناني لقمان سليم في 4 فبراير، مسألة الاغتيالات السياسية في لبنان، التي فاقت ال100 اغتيال منذ استقلال هذا البلد.
يتتبع كريم إميل بيطار، مدير قسم العلوم السياسية في جامعة القديس يوسف في بيروت، تاريخ هذه الآفة المتكررة في لبنان، ويحلل منابعها وانعكاساتها على الحياة السياسية المحلية، وفق تقرير لصحيفة «لوموند» الفرنسية.

جنبلاط.. فراغ بين صورتين

في استرجاع لتاريخ الاغتيالات، يذكر بيطار أن أول اغتيال يعود تاريخه الى 1921 وطال الزعيم الدرزي فؤاد جنبلاط، والد كمال جنبلاط، الذي اغتيل بدوره عام 1977، وجد الزعيم وليد جنبلاط.
وفي اشارة الى “حدس” جنبلاطي باستكمال سلسلة الاغتيالات، روى بيطار ان وليد جنبلاط علق على جدار منزله في بيروت صورة لجده، وأخرى لوالده، تاركاً مساحة فارغة بين الصورتين.
أما اول اغتيال سياسي بعد بعد استقلال لبنان، فكان اغتيال رئيس الوزراء رياض الصلح (أب الاستقلال) الذي تمت تصفيته في عمان 1951 على يد أعضاء في الحزب السوري القومي الاجتماعي، انتقاماً لإعدام زعيمهم أنطون سعادة.
ومنذ ذلك الحين، شهد لبنان 104 حادثة اغتيال استهدفت سياسيين وصحفيين ودبلوماسيين ورجال دين، إضافة الى 94 محاولة اغتيال، بحسب مركز دراسات لبناني.

سلالات متنوعة

اكتسبت ظاهرة الاغتيالات زخماً منذ السبعينيات، مع اندلاع الحرب الأهلية (1975-1990)، وبعد انتقال الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني الى لبنان وتحوله ساحة صراع بين القوى الإقليمية أو الدولية.
يميز الباحث اللبناني بين عدة “سلالات” من الاغتيالات، تتوافق أحيانًا مع مراحل كرونولوجية متنوعة:
• تصفيات نفذها العدو الصهيوني ضد شخصيات فلسطينية، من بينها الكاتب غسان كنفاني في 1972، وثلاثة كوادر من منظمة التحرير الفلسطينية في شارع فردان عام 1973.
• اغتيالات تندرج في إطار تصفية الحسابات بين المجموعات اللبنانية خلال الحرب الأهلية. كاغتيال حزب الكتائب للزعيم المسيحي طوني فرنجية عام 1978.
• اغتيالات برعاية جهات إقليمية: اغتيال الحزب القومي السوري لرئيس حزب الكتائب بشير الجميل في 1982، بعد أيام قليلة من انتخابه رئيساً للجمهورية، بتحريض من النظام السوري.
• اغتيالات نفذها الكيان الصهيوني ضد قادة حزب الله، تصفية عباس الموسوي 1992.

حزب الله من ضحية الى مرتكب
وعن كيفية انتقال حزب الله من ضحية للاغتيالات الى منفذ لها، بناء على حملة الاتهامات التي وجهت اليه إثر موجة الاغتيالات الاخيرة، يشرح بيطار ان موجة الاغتيالات بدأت مع محاولة اغتيال الوزير مروان حماده في 2004، اثر صدور القرار الأممي 1559 الداعي إلى انسحاب قوات الاحتلال السوري من لبنان. وهدفت لإسكات الاصوات المعارضة للمحور الإيراني السوري. وفي هذا السياق حصل اغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق رفيق الحريري في 2005. اما اغتيال لقمان سليم فهو امتداد لهذه السلسلة التي أودت بحياة عشرات الضحايا. وكانت قد توقفت في 2013 مع اغتيال محمد شطح ، مستشار سعد الحريري.

اغتيالات لاحتكار المقاومة

لم يكن للجوء الى التصفية الجسدية في ذلك الوقت أمراً جديداً بالنسبة حزب الله. في الثمانينيات، اغتال الحزب ناشطين في الحزب القومي السوري والحزب الشيوعي. وكان هذان التنظيمان طليعيين في مقاومة الاحتلال الاسرائيلي قبل ان يحتكرها حزب الله لصالحه. ومن ابرز ضحايا الاغتيال المفكر الشيعي حسن حمدان، الملقب بـ “غرامشي العرب”، والذي رفض الانصياع لهذه الميليشيا المتصاعدة.
الاكثر كلفة
وتعتبر محاولة اغتيال الشيخ محمد حسين فضل بسيارة مفخخة في 1985، الأكثر كلفة في عدد الضحايا، اذ اودت بحياة 85 قتيلاً و 200 جريح فيما نجا هو من الموت.

الطاعون اللبناني

في تحليل هذه الظاهرة، يشير الاكاديمي اللبناني الى ان استخدام الاغتيالات السياسية يتجلى في الأنظمة الاستبدادية، مثل دول أمريكا الجنوبية وجنوب آسيا، وكذلك في الديمقراطيات الضعيفة مثل لبنان. فهذه الانظمة تسمح للمعارضة بالظهور، بالتوازي مع تصاعد الحركات المتطرفة، الساعية الى إخماد الأصوات المعارضة.
هذه البلدان تشرع لكل أشكال الرياح، حيث تسرح أجهزة الاستخبارات الأجنبية كما يحلو لها. ولبنان استخدم كصندوق بريد تتبادل فيه اجهزة الاستخبارات، في المنطقة وخارجها، رسائل لبعضها البعض من خلال الاغتيالات.

اغتيال الكتّاب

يذكرنا اغتيال المثقف لقمان سليم بأن الكتاب دفعوا ثمنا باهظا لهذه الممارسة. مقتل نسيب المتني رئيس تحرير صحيفة التلغراف المعارضة، في 1958، كان بمثابة شرارة الفتنة التي شهدها لبنان في ذلك العام. كما كان اغتيال السياسي معروف سعد إيذانا باندلاع الحرب الاهلية 1975.
بالعودة إلى اغتيال الصحفيين، يجب أن نذكر كامل مروه، مدير صحيفة الحياة والمعارض لجمال عبد الناصر الذي قُتل في 1966. واغتيال إدوارد صعب رئيس تحرير صحيفة لوريان لو جور في 1976. وفي 2005، اغتيل الصحافيان سمير قصير وجبران تويني، وكلاهما معارضين لنظام الأسد.
اغتيال معارضي التدخل الاجنبي
من بين ضحايا الاغتيال شخصيات عارضت التدخل الأجنبي أو حاولت بناء جسور بين الجماعات. كحال كمال جنبلاط الذي عارض تدخل القوات السورية في لبنان، محافظاً في الوقت عينه على علاقات متنية مع شخصيات يمينة معتدلة مثل ريمون اده المعادي جدًا للتدخلات السورية والاسرائيلية في الشؤون اللبنانية.
رئيس الوزراء رشيد كرامي الذي قُتل عام 1987 كان شخصية سنية معتدلة. وعُرف الرئيس رينيه معوض الذي اغتيل في 1989 باستقلاله وانفتاحه على الحوار.

الافلات من العقاب

هل حوكم المرتكبون بهذه الاغتيالات؟ يقول بيطار انه عندما يتعلق الأمر برعاة الاغتيالات، غالبًا ما تغلب الافتراضات على اليقين. رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع كان السياسي الوحيد الذي حكم عليه وأمضى أحد عشر عامًا في السجن. لكن لا يمكننا التحدث عن عدالة فعلية لأن محاكمته جرت في فترة الاحتلال السوري وشابتها مخالفات. وهناك حبيب الشرتوني، منفذ اغتيال بشير الجميل والذي بقي مسجونا حتى عام 1990 لتقوم القوات السورية باطلاقه مع دخولها الى المناطق الشرقية آنذاك.
في ما عدا ذلك، فإن الإفلات من العقاب هو القاعدة. تتعثر اجراءات المحاكمة لأن لا أحد لديه مصلحة في معرفة نتائجها.

قضية لقمان سليم

ولا يبدو ان ثمة امكانية لدوث تغيير في هذا المسار. ففي قضية لقمان سليم انطلق مسار التحقيق بشكل لا يبشر بالخير. اغتيل سليم في منطقة ذات أغلبية شيعية. القاضي الذي يحقق بهذه القضية ينتمي لهذه الطائفة، وهو تابع لنبيه بري، الحليف الأول لحزب الله. حاولت وزيرة العدل ماري كلود نجم تغيير نظام تعيين القضاة لمنعهم من تولي مهام السلطة في مناطق نفوذهم الا انها ووجهت بمعارضة من القوى الحزبية.

مقدسات

وعن تأثير اعمال العنف هذه على الحياة السياسية اللبنانية، اعتبر الاكاديمي اللبناني أنه فضلا عن المأساة الانسانية التي تخلفها هذه الاغتيالات فإن اثرها لدى الجماعات كبير للغاية. ويقول “خلّفت هذه الاغتيالات استشهاديين يخيمون على حياتنا السياسية. أصبح لكل جماعة “مقدساتها” التي لا يمكن المساس بها: رفيق الحريري لدى السنة، وبشير الجميل لدى المسيحيين، والامام موسى الصدر عند جمهور الثنائي الشيعي. ويمكن اضافة عماد مغنية العقل المدبر لحزب الله الذي اغتيل في دمشق عام 2008.
هذه الظاهرة تعقد عمل المؤرخين وفق بيطار. ففي لبنان هناك استحالة لاقناع الجماعات أن مقتل شخص من أجل فكرة او رأي لا يعني أن هذه الفكرة صحيحة بالضرورة، ولا يعني أن ضحية الاغتيال هو نموذج للفضيلة والوطنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى