الشرق الأوسط

لبنان.. أزمة دواء خانقة ورفع الدعم زاد الأوضاع سوءاً

الوكلاء والصيادلة يتقاذفون المسؤولية.. والمغتربون والجمعيات نوافذ لتأمين الدواء

بيروت ــــ أنديرا مطر
انعكست الأزمة المالية في لبنان على قطاع الأدوية بشكل دراماتيكي؛ إذ يعاني اللبنانيون منذ أشهر من فقدان أدوية كثيرة دفعت كثيراً منهم، ومن مختلف الطبقات، إلى اللجوء الى الجمعيات الخيرية ووسائل التواصل والمغتربين، لتأمين ما يلزمهم من أدوية في غياب شبه تام للدولة وأجهزتها الرسمية.
«محظوظ من يعثر على دوائه في أول صيدلية يقصدها»، تقول مريم رزق لـ القبس، وتضيف بغضب إنها قطعت 80 كيلومتراً حتى تؤمِّن مصلاً لوالدتها التي تعاني السرطان «من جونية إلى بيروت، ومنها إلى طرابلس، حتى عثرت على صيدلية يتوافر فيها».
وإلى نقصان الأدوية، أضيفت أخيراً مشكلة نقص حليب الأطفال، وهو ما لم يحصل في أسوأ أيام الحرب. واللبناني الغارق في نكباته ضائع في حلقة تقاذف الاتهامات بين شركات استيراد الأدوية والموزّعين والصيدليات، حيث يرمي كل طرف منهم المسؤولية على الطرف الآخر. ولكن يبقى جذر هذه المشكلة الأزمة المالية.
لبنان يستورد %80 من الأدوية من الخارج بالعملة الصعبة، وبالتالي مع انهيار سعر صرف الليرة تعرَّض قطاع الدواء لضربة كبيرة، تفاقمت مع بروز إشارات عن قرب رفع الدعم عن السلع الأساسية التي يشكّل الدواء جزءاً منها، بعد انهيار احتياطي البنك المركزي من النقد الأجنبي.
المستوردون وبعض الصيادلة يُتّهمون بإخفاء مخزونهم من الأدوية، في محاولة لتحقيق أرباح طائلة بمجرد رفع الدعم وزيادة الأسعار، وهؤلاء يلقون باللوم على المواطنين، متهمين إياهم بشراء كميات من الأدوية وتخزينها؛ خوفاً من انقطاعها.
وهناك سوق سوداء للأدوية، كما للدولار وللمحروقات، سمحت بإدخال أدوية مهرّبة من سوريا، بسبب تقنين كميات الأدوية الموزعة على الصيدليات.
تقنين بهدف الربح
صاحبة إحدى الصيدليات في كسروان، قالت لـ القبس إن العمل بات صعباً للغاية، شاكية من أن «كثراً يدخلون الصيدلية ويخرجون غاضبين، صابّين الشتائم على هذه الدولة، وعلى حياتهم في الجحيم».
وتقول (بغضب): «ما يحزنني أكثر من انقطاع الدواء هو فقدان حليب الأطفال»، وتوضح أنه بسبب رخص سعره (تقريباً 12 ألف ليرة) أصبح الوكلاء يسلّمون الصيدليات كميات قليلة منه؛ عبوتين شهرياً، في حين يحتاج الطفل عبوتين أسبوعياً!
نقص الدواء اللبناني
وتشرح الصيدلانية: إن النقص لا يطول الأدوية المستوردة وحدها، وإنما أدوية لأمراض مزمنة تُصنّع في لبنان، مثل أدوية السكري والضغط وفيتامينات مفيدة لمواجهة «كورونا». وتقول إن لديها عشرة مرضى شهريا يطلبون دواء معيناً، في حين تتسلّم هي شهرياً علبتين أو ثلاثاً من هذا الدواء، وهذا ما يخلق أزمة، لتأمين البديل «أصبحنا نتوسّل إلى الوكلاء مثل الشحاذين».
وتلفت الصيدلانية إلى مشكلة أخرى أيضاً تواجه القطاع، وهي عدم اقتناع اللبناني بأخذ بديل للدواء المقطوع، «يعتقدون أننا نمتنع عن إعطائهم الأصيل بهدف تخزينه، وبصعوبة يقتنعون بأن البراسيتامول يحل محل البانادول المفقود».
فرق عملة
الوكلاء ينتظرون تحقيق أرباح، بسبب فرق العملة، في حين زاد الضغط على الصيدليات في الفترة الأخيرة لأسباب عدة. منها مثلاً أن كُثُراً من اللبنانيين كانوا يشترون أدويتهم من تركيا لرخصها، ولكن بسبب قيود الإغلاق ومنع السفر أصبحوا يطلبونها من لبنان. وحتى المستفيدون من صيدلية الجيش اللبناني أصبحوا في الآونة الأخيرة يقصدون القطاع الخاص، بسبب عدم توافر الأدوية هناك.
وتشير صيدلانية إلى أن الصيادلة يتعاونون مع بعض عبر مجموعة على «واتس أب»، لمساعدة المرضى وإرشادهم إلى حيث يمكنهم تأمين أدويتهم. وبعدما عرضت الصيدلانية أخذ آراء المجموعة في هذا التحقيق عادت وأبلغتنا أن الجميع رفض التحدث، لأن الوكلاء يمتنعون عن تسليمهم الأدوية كلما أدلوا بحديث للصحافة، كما طلبت هي نفسها حذف اسمها، مخافة تعرّضها لمعاقبة «الموزعين».
وقف الدعم
في مواجهة انهيار احتياطيات البنك المركزي من النقد الأجنبي، فإن دعمه للضروريات الأساسية، مثل الأدوية، بات مهدّداً على المدى القصير. يقول نقيب الصيادلة غسان الأمين إن الفاتورة الدوائية في لبنان تقارب 1.4 مليار دولار، والأدوية التي خلقت أزمة تلك التي يحتاج المريض تناولها يومياً، ولا يمكن الاستغناء عنها، وتشكلّ فاتورتها ما قيمته 300 مليون دولار تقريباً، مثل أدوية الأمراض المزمنة و«كورونا» والحليب. ويطالب الأمين بتحييد الأدوية المدرجة ضمن هذه الفئة عن بازار رفع الدعم.
تعاضد اجتماعي
لتأمين ما يحتاجونه من أدوية، يلجأ اللبنانيون الى التعاضد الاجتماعي، معتمدين على علاقاتهم أو على شبكات التواصل الاجتماعي، حيث ينشرون صورة الدواء المفقود ويطلبون ممن يستطيعون تأمينه من جمعيات او منظمات خيرية.
بعض الأحزاب تتواصل مع ناشطيها في الخارج الذين يشترون كمية من الأدوية ويرسلونها لحسابها. كما يشكل المغتربون اللبنانيون عاملاً أساسياً في استمرار صمود أهاليهم، فالدولار يوازي اليوم في السوق السوداء 9 آلاف ليرة، وبالتالي أصبحت «المئة دولار» كفيلة بتأمين السلع الأساسية للعائلة. يقول حسان مطر، المقيم في فرنسا إنه حين يسأل أهله وأقاربه عما يحتاجونه ليرسله إليهم يأتي الجواب: بانادول أو اسبيرين.
يتجه قسم آخر من اللبنانيين إلى التطوّع. وتقول الصيدلانية رُبى حداد التي تعمل في مستوصف خيري، لـ القبس: ان أعداد المستفيدين تفوق قدرة المستوصف، لافتة الى ان الأمر لم يعد يقتصر على الطبقات الفقيرة، بل يطول الفئات المتوسطة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى