الترامبية.. حزب أميركا الثالث

علي حمدان –
بعد تبرئة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أمام مجلس الشيوخ من تهمة التحريض على العصيان وفشل محاولة عزله يتجدد الحديث عن إمكانية تأسيسه لحزبٍ سياسيٍ جديد في الولايات المتحدة الأميركية واستثماره في تطبيق إلكتروني خاص به تحضيراً لترشحه في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة في العام 2024.
وفي بيان صادر عنه بعد تبرئته أعلن ترامب بأن ما وصفه بالحركة الوطنية التاريخية الجميلة من أجل جعل أميركا عظيمة مجدداً قد بدأت للتو.
لا يمكن تجاهل كلمات ترامب ووعوده بإطلاق حركة سياسية جديدة، فقد أثبتت الحركات الشعبوية قدرتها على الإستمرار على مر السنين والظروف، وتمكن قادتها من حفاظهم على رمزيتهم ومكاناتهم حتى بعد إقصائهم ديمقراطياً أو من خلال وسائل أخرى، وما البيرلوسكونية في إيطاليا والبيرونية في الأرجنتين، والفوجيمورية في البيرو إلا أدلة على طول أمد حياة الحركات التي يقودها أشخاص مثيرين للجدل واستمرارها بعد تنحيهم عن سدة الحكم، مما يطرح الأسئلة حول مستقبل الترامبية، التي قد تختلف إيديولوجياً عن الحركات الآنفة الذكر، إلا أنها تشاركها الكثير من سماتها.
البيرلسكونية
سيلفيو بيرلوسكوني كان ترامب قبل ترامب، فهو أحد أبرز قادة العالم السياسيين الشعبويين، وقد تمت مقارنته بالرئيس الأميركي السابق مراراً. فهو ملياردير وشخصية عامة تمكنت من تبوؤ منصب قيادي في بلادها ومقارعة قوى الأمر الواقع السياسية.
تعرض بيرلسكوني على مدى العقدين الماضيين لوابل من الفضائح وخضع للتحقيقات والمحاكمات حتى زعم في أحد تصريحاته بأنه أكثر من تعرض للاضطهاد عبر التاريخ. بيرلسكوني الذي أتقن ادعاء المظلومية تمكن من البقاء في المشهد السياسي الإيطالي من خلال تزعمه لأبرز أحزاب البلاد بالرغم من تقديمه لاستقالته من منصب رئيس الحكومة في العام 2011. ونجح بيرلسكوني في الحفاظ على قاعدة شعبية واسعة تدعم مرشحي حزبه في كل استحقاق انتخابي في إيطاليا، ومن المرجح أن يتمتع ترامب بنفس الخاصية مع استحواذه على ولاء شريحة واسعة من الأميركيين الجمهوريين تحديداً.
البيرونية
بعد أكثر من أربعة عقود على موت خوان بيرون مازالت حركته السياسية الأبرز والأقوى في الأرجنتين. وكمعظم الشخصيات العامة الشعبوية ادعى بيرون مناصرة حقوق الأرجنتينيين بدايةً، وقد عبر عن ذلك فعلاً خلال تأسيسه لحركته عندما ناصر حقوق العمال وتحرير المرأة في البلاد، لكنه تحول إلى الاستبداد والسلطوية شيئاً فشيئاً وقام بسجن معارضيه السياسيين والتضييق على وسائل الإعلام كما لم يلتزم بالحقوق والحريات التي يكفلها الدستور إلى أن تم الانقلاب عليه في العام 1955، أي بعد حوالي 10 أعوام على تبوؤه الحكم، ليقضي ما تبقى له من أيام في منفاه الإسباني.
لم تتأثر شعبية بيرون بغيابه عن المشهد السياسي وعن الأرجنتين، وتمكنت الحركة التي أسسها من الفوز في الإنتخابات مراراً بعد عقود على تنحيته. يعود نجاح بيرون في ترسيخ تأثيره واستدامة شعبيته إلى الطريقة التي تم إخراجه بها من الحكم والتي مكنته من لعب دور الضحية لاستعطاف مريديه، وهو ما بدأ بالتشكل فعلياً فيما يخص الحالة الترامبية مع الترويج لسردية فوزه في الانتخابات الرئاسية وتزوير النتائج لإخراجه من البيت الأبيض عنوةً.
الفوجيمورية
ألبرتو فوجيموري هو رئيس جمهورية البيرو الذي تمكن من تأسيس الحركة الفوجيمورية رغم انتهاء ولاية حكمه في العام 2001 بفضيحة فساد.
وعلى عكس البيرونية في الأرجنتين، وبالرغم من دخول فوجيموري السجن، تمكن إبنيه كيكو وكينجي من وراثته سياسياً والتأسيس لحركتين تتمتعان بشعبية واسعة في البلاد.
من الممكن، في حال غياب ترامب شخصياً عن المشهد السياسي الأميركي، انخراط أحد أفراد عائلته، كإبنته إيفانكا أو صهره سياسياً، لاسيما بعد شغلهما لمناصب إدارية في البيت الأبيض خلال فترة ولايته. دخول إبنة ترامب أو صهره أو أي من أفراد عائلته عالم السياسة لن يكون من باب الحزب الجمهوري بل من باب الترامبية حصراً وحب قسم من الأميركيين لشخص الرئيس السابق للولايات المتحدة.
بصرف النظر عن الأنموذج الذي ستتبلور من خلاله الترامبية ـ سواء كان أشبه بالبيرلوسكونية، البيرونية، أو الفوجيمورية، أو خليط من الثلاثة معاً ـ يمكن الجزم بأن حركة الرئيس ترامب ستتمدد في القادم من الأيام وستشهد الولايات المتحدة الأميركية بروز فريق سياسي وازن إلى جانب الحزبين الديمقراطي والجمهوري للمرة الأولى تاريخياً ربما.
«الهوة بين الترامبيين والمعادين للترامبية ستتسع في أميركا مستقبلاً وستؤثر على مجريات السياسة في الولايات المتحدة تماماً كما أدت الحركة البيرونية والمعادين لها إلى تشكيل البيئة السياسية الأرجنتينية لعقود»، يقول دان سلاتير، مدير مركز وايزر للديمقراطيات الصاعدة في جامعة ميتشيغان.