تقارير

غزة بين الحصار الصهيوني وعزلة كورونا

علي حمدان –

قامت السلطات الصحية في قطاع غزة المحاصر بتخصيص أقسام في مشافيها لاستقبال مرضى كورونا الذين يعانون مضاعفات صحية وذوي الأمراض المزمنة فقط، وعليه تحتم على أصحاب المسحات الإيجابية حجر أنفسهم في منازلهم وتلقي العلاج دون إشراف طبي مباشر.

منازل متواضعة

يعيش معظم الغزاويين في منازل صغيرة ومتواضعة، مما يجعل من عملية عزل الفرد المصاب ضمن العائلة مهمة شبه مستحيلة. ومع ارتفاع معدلات الفقر والبطالة إلى حوالي 50%، ارتفعت الأصوات عالياً ضد الإجراءات الوقائية وتضاعفت نسب القلق في صفوف العمال المياومين الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للانعزال في منازلهم تجاوباً مع القرارات الحكومية تارة ونتيجة مخالطتهم لمصاب بالفيروس أو تعرضهم للإصابة بشكل مباشر طوراً.

نسرين جابر، العاملة الإجتماعية الثلاثينية تصف تجربتها مع إصابتها بالفيروس التاجي في أواخر ديسمبر الماضي بأكثر تجاربها الحياتية صعوبة على الإطلاق.

«قمت بالتواصل مع وزارة الصحة لإعلامهم بإصابتي، فطلبوا مني البقاء في المنزل وعزل نفسي في غرفة منفصلة عن عائلتي لمدة أسبوعين، لم يتمكن أخوتي وأمي من رؤيتي، كانوا يسمعون صوتي المتعب وسعالي الشديد وأنيني جراء ألم المفاصل والعظام الذي أصابني دون التمكن من مساعدتي»، تقول جابر.

معاناة نفسية

وبحسب ما قاله التخصصي بعلم النفس لموقع إلكترونيك إنتفاضة الأميركي، فإن وجود الشخص بالقرب من عائلته وعدم تمكنه من التواصل معهم كما يجب وتلقي مساعدتهم، هو أمرٌ مؤثر وسيء للغاية ويترك ندوباً عميقة في نفوس المرضى.

يلجأ الغزاويون المصابون بفيروس كورونا خلال فترة عزلهم وتشافيهم إلى تناول مأكولات غنية بالفيتامينات، لاسيما فيتامين سي، ويحرصون على التعرض لأشعة الشمس من أجل التزود بالفيتامين د، وتدعيم أجهزتهم المناعية لمكافحة الفيروس.

في هذا السياق، تدعو وزارة الصحة في القطاع جميع المصابين إلى الإكثار من تناول الأطعمة الغنية بالزنك وسائر الفيتامينات من أجل تشافي أسرع، بحسب ما عبر عنه الناطق الرسمي باسم الوزارة، أشرف القدرة، الذي أطلع الموقع على قرار السلطات الصحية في غزة باستقبال المرضى الذين يعانون حالات صحية مستعصية فقط ، منوهاً إلى أن معظم المصابين يتمتعون بصحة جيدة نسبياً ولا تستدعي إصابتهم العناية الطبية.

«نوصي المصابين بعزل أنفسهم في منازلهم وندعوهم إلى إخطار مخالطيهم بذلك، ثم نقوم بمتابعتهم هاتفياً بشكل مستمر لنقوم بنقل الذين يتعرضون لتدهورٍ ما إلى المشافي لتلقي العلاج»، يقول القدرة.

خلال فترة الحجر الصحي التي أمضتها نيفين، دأبت على الخروج إلى حديقة منزلهم الخلفية كلما سنحت الفرصة بذلك. «كنت قلقة على أهلي باستمرار، لم أرد أن أنقل لهم العدوى، فآلام كورونا الجسدية مبرحة، وكذلك آلامه النفسية. الخوف من نقلك العدوى للمقربين منك وتعريضهم للخطر يلازمك طوال فترة إصابتك»، أردفت نيفين قائلة.

يخضع المصابون بعد 14 يوماً من العزلة لفحوصات كورونا للمرة الثانية للتأكد من تشافيهم، إلا أن نيفين وبالرغم من إشارة التحاليل التي أجرتها إلى خلو جسمها من الفيروس لازالت تعاني أعراضاً جانبية كالتعب والضيق في التنفس والسعال بين الحين والآخر.

بالرغم من حرص هديل خالد المعلمة المدرسية المقيمة في مخيم البريج الغزاوي على تطبيقها للإجراءات الوقائية من أجل عدم إلتقاط العدوى وحرصها الشديد على عدم زيارة أحد والتباعد الإجتماعي، أصيبت بكورونا بعد أيامٍ على عودة الطلبة إلى مقاعدهم الدراسية. «لم أكن سعيدة بعودة الدراسة لأنني متوجسة من فكرة نقل الفيروس إلى منزلي وأطفالي، لكن ذلك حصل بالفعل ونقلت العدوى لأطفالي ولطلابي، وأمضيت ليال طويلة من الألم والقلق»، تقول هديل التي تعاني من نقص في المناعة أصلاً.

قامت هديل بحجر نفسها في المنزل حيث قام ممثلون عن وزارة الصحة بمتابعة وضعها الصحي ووضع زوجها الذي أصيب هو الآخر قبل أن تنتقل العدوى إلى أطفالهما. « كان علي لعب دور الممرضة بالإضافة إلى كوني المريضة، وحرصت على تحضير المشروبات الساخنة العلاجية كالزنجبيل والعسل وغيرها لنا جميعاً»، تقول هديل.

معاناة مالية

فادي الحسن سائق التاكسي الذي يبلغ 45 عاماً قال لموقع إلكترونيك انتفاضة، بأنه التقط العدوى لأنه لم يتمكن من المكوث في المنزل لحماية نفسه وعائلته من الوباء. «كان عليّ الخروج للعمل من أجل إعالة أبنائي»، يقول الحسن الذي يعبر عن حال أكثر من 50% من قاطني غزة الذين يعانون ظروفاً اقتصادية صعبة جراء الحصار الصهيوني لهم والتداعيات التي خلفتها الجائحة. ففادي لم يستطع شراء بروتوكول الأدوية المعتمدة في غزة والفيتامينات الضرورية لغلاء ثمنها واكتفى باحتساء المشروبات الساخنة والوصفات الشعبية العشبية لمداواة آلامه خلال فترة تشافيه. «مواجهة الفقراء للوباء صعبة للغاية»، يقول فادي الذي أمضى أكثر من 14 يوماً على سطح منزله لعدم تمكنه من عزل نفسه في غرفة منفصلة وحرصه على عدم نقل العدوى لباقي أفراد أسرته.

تجدر الإشارة الى فرض وزارة الداخلية في غزة لحظر التجول منذ الساعة الثامنة مساءً، وإقفالات عامة متقطعة، لاحتواء التفشي، وقد سجل القطاع أكثر من 500 حالك وفاة جراء الإصابة بالفيروس حتى الآن.

«مازلنا نعمل جاهدين لتخطي فصل الشتاء الذي يشهد فيه القطاع أعلى نسبة تفشي، وقد تمكنت مشافينا من تخطي الأزمة بنجاح»، يقول القدرة الناطق باسم وزارة الصحة في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى